كل في هَمِّهِ سارح



«المغاربةُ قدْ يتحمّلون الفقر، لكنهم لنْ يصبروا على الظلم».

هذا ما كان عبدالإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، يردده باستمرار، متفاخرا خلال ولايته الحكومية، ومؤكدا أن المغاربة مرتاحون للنفس الديمقراطي الذي أصبحت تعيشه البلاد منذ 2011.

قبل أربع سنوات من الآن، وبالضبط سنة 2015، كانت استطلاعات الرأي تقول إن: «80 في المائة من المغاربة مرتاحون لحكومتهم ورئيس حكومتهم». أما اليوم، مؤكد أن استطلاعات الرأي – إن أجريت- ستحمل خبرا «صاعقا» للرأي العام الوطني.

موجة الربيع العربي وخطاب 9 مارس 2011 التاريخي، ودستور المملكة الجديد وحكومة بنكيران “الشرعية”، التي أفرزتها انتخابات 2011 النزيهة، كلها أحداث رفعت من منسوب تفاؤل المغاربة بمغرب جديد، وأفق سياسي أرحب، داخل جغرافيا الوطن الواحد، خاصة عندما لامس الشباب المغربي الفعل والنقاش السياسي لأول مرة في حياته، واختار ممثليه بديمقراطية لطالما افتخرنا بها حينها، وعبر المغاربة عن آرائهم بحرية، واحتجوا بطرق مختلفة، كما لم يفعلوا من قبل.

اليوم، كل شيء تغير، بعد انتخابات السابع من أكتوبر 2016 و”البلوكاج” السياسي الذي أفقد المغاربة الأمل في الانتقال الديمقراطي، وضرب الإرادة الشعبية عرض الحائط، تبدو كل المجهودات التي يحاول البعض بذلها للتغيير متجاهلا محطة “البلوكاج”، مثل نفخ الهواء في رئتي رجل ميت، خاصة ونحن نلحظ النقاش الدائر حول معركة الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، التي تستأثر باهتمام الأحزاب السياسية المرشحة لتصدر نتائجها.

«كل في همه سارح»، هذا هو الوصف اللائق بما يعرفه المغرب حاليا، ففي الوقت الذي نسجل فيه توالي الخرجات الإعلامية لقياديي بعض الأحزاب المراهنة على كسب رهانات عام 2021، الموسومة بوعود بعض، وادعاءات بعض امتلاكَ مفاتيح تغيير أحوال المغاربة بمجرد الدخول من باب الانتخابات التشريعية المرتقبة لرئاسة كرسي الحكومة، تنسى -هذه الأحزاب- أنها ستخوض انتخابات على إيقاع مختلف، خصوصا بعد «بلوكاج» حكومي مصطنع، تلاه إعفاء عبدالإله بنكيران رئيس الحكومة المعين وقتها، وبعد حراكات اجتماعية بعديد مناطق المغرب، انتهت باعتقالات لشباب وصحفيين، تلاها إصدار أحكام قضائية في حقهم، أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها قاسية، بينما مغاربة ما بعد السابع من أكتوبر 2016، أغلبهم يعيش في دوامة وتيه وانعدام ثقة، وتفكير في أولوية صناعة المستقبل الفردي بعيدا عن “الصناعة التقليدية” لواقع معاش متحكم فيه من طرف جهات يبدو أنه لا مكان لمصطلح الديمقراطية والإرادة الشعبية في قواميسها.

بالتأكيد، ليس عيبا أن تتنافس الأحزاب للفوز بالاستحقاقات المقبلة، وأن تضع نصب أعينها من الآن صدارة الانتخابات، لكنه من العيب بمكان أن لا تقر – مؤسسات الوساطة- بالحالة المتردية التي تعرفها الممارسة السياسية في بلدنا، وأن لا تصرح بتأخر الفاعل السياسي في استعادة المبادرة للدفاع عن الخيار الديمقراطي الذي ارتضاه المغاربة لهم ثابتا من ثوابت دولتهم، وأن تصمُت عن الاعتراف بمسؤولية الجميع أحزابا وسلطات في كل ما وقع بعد انتخابات السابع من أكتوبر من تراجعات إلى اليوم، كل من زاويته.

إن إنجاح محطة 2021، رهين بمدى إرادة الدولة على تجاوز «الأزمة السياسية» التي يتخبط فيها البلد، عبر إطلاق سراح المعتقلين، وتعزيز بناء الثقة بين المواطنين والمؤسسات، عن طريق الإعمال السليم للدستور وتفعيل مبدإ ربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحاربة الفساد باعتباره وجها من أوجه الظلم الذي يطال جزءا كبيرا من أبناء الشعب المغربي، ولملمة الجراح، عبر الدفع بخيار المصالحة، وتغليب مصلحة الوطن على منطق الردع وتقليم الأظافر، وتمكين الأحزاب السياسية من القيام بأدوارها التأطيرية، لتلعب مجددا دور الوساطة المنوط بها بين مكونات المجتمع ومؤسسات الدولة.

شارك

الكاتب :

التالي
السابق