لننتبه… من معنا ومن ضدنا!


حسن حمورو

الاستغراق في تتبع تفاصيل الأحداث الجارية، يحجب الحقيقة كاملة، ويمنع الفاعلين ذوي المصداقية والغيرة الوطنية، من تجميع عناصر الفهم والاستيعاب الضروريين في التقييم والتقويم، وفي اختيار المواقف المناسبة، وفي بناء خطاب سياسي مقنع لتأطير المجتمع، تأطيرا يسهم في تعزيز الوحدة والاستقرار. 
وإذا كان اصطناع الأحداث والأزمات بشكل متوالٍ، وتعميم الغموض وتكثيف الدخان الحاجب للرؤية، استراتيجية معمولا بها من طرف مراكز النفوذ، الساعية إلى خنق مؤسسات الدولة ذات الاختصاص الدستوري في إصدار القرار السياسي الوطني، وتجريدها من عناصر قوتها ومصداقيتها، فإن نخب المجتمع الحاملة للهم الوطني، والأحزاب السياسية تحديدا، مطالَبة بالوعي بما يُحاك في العمق، وبما يتم تمريره على شكل قرارات وقوانين في غفلة من الجميع، والوعي بما تخفيه كثرة الأحداث وطريقة معالجتها إعلاميا، وامتداداتها وتأثيرها على وحدة مكونات المجتمع، الضامنة للاستقرار.
إن ما يعيشه المغرب من احتجاجات في قطاعات مختلفة، بقدر ما تعكس اختلالات غير خافية، وترفع مطالب في عمومها مشروعة، بقدر ما تصاحبها مؤشرات تؤثر على مستوى براءتها، وتشير الى أنها مضخمة في اتجاه معين، يُؤمّن الانتقال السلس من استراتيجية تدبيرية إلى أخرى، أهم عناوينها انسحاب القطاع العام، ودخول القطاع الخاص مكانه، وما يطرحه ذلك من إشكالات يدفع المواطن البسيط ثمنها، والقصد هنا ما يجري منذ مدة في قطاع الصحة أساسا، بعد أن جرت العملية نفسها في قطاعات أخرى كالتعليم ومجالات اقتصادية أخرى. 
في هذه المساحة ينبغي للأحزاب السياسية أن تجدد مداخل الفهم، وأساليب العمل، لتعبر بالملموس عن ولائها الكامل للوطن، وتجتهد في المساهمة في خلق بيئة مساعدة على النقاش العمومي حول ما الذي يجري في البلاد، وما الثابت فيه وما المتحول، وما أسباب التحول، وأفقه، والمستهدف به، ثم لإيجاد حلول تخفف حدة ما هو مفروض تصعب مواجهته، وفي الوقت عينه تحصن الخصوصية الوطنية، خاصة على مستوى القيم والمبادئ والثقافة الجامعة، وتضمن للبسطاء شيئا من حقهم على الدولة. 
المغرب إذن، في حاجة ملحة إلى أحزاب قادرة على التفاعل مع المستجدات والتحديات، بعيون المستقبل، لكن بدون نظارات موروثة عن الماضي، تفاعل تحافظ فيه على هويتها وتقوم بأدوارها، وتعيد ترسيم العلاقات فيما بينها وتأجيل الاختلاف ما أمكن ذلك، والحذر من أن يتجاوز السقف الذي يتحول معه من اختلاف خادم للتنوع والتعددية، الى عنصر إضعاف للدولة، أو عنصر الهاء للمواطنين، وتضليلهم، أو تسليمهم لقمة سائغة لمن لا يرون فيهم إلا أرقاما تنشط السوق وتحقق الأرباح. 
وتأجيل الاختلاف لا يعني توقيع شيك على بياض، لأي جهة أو التطبيع مع الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أو فقدان الاستقلالية أو التراجع عن المرجعيات الحزبية الخاصة، وإنما لتقليل مظاهر التوتر داخل المجتمع، وإشاعة الثقة والطمأنينة، وضمان الانخراط الجماعي في المعارك الوطنية، التي من شأنها إسناد المؤسسات السيادية المطالَبة هي الأخرى، بإشراك الجميع في ما تعتزم القيام به، دفاعا عن سيادة البلاد وحفظ استقلاليتها عن القوى المتصارعة دوليا، التي لا تُخفي طمعها في إلحاق المغرب بالقطيع التابع لها. 
باختصار شديد، هذه دعوة إلى تغليب المصلحة الحقيقية للوطن والمواطنين، ووصفة يمكن أن تساعد على التعرف على الأحزاب الوطنية الجادة، وفرزها عن التجمعات المصالحية والجماعات الوظيفية، التي تقدم نفسها أحزابا سياسية، حاملة لشعارات براقة، لكن تفاصيل خطابها والمطالب السياسية التي تطرحها، يخلق التباسا في ولائها.. لننتبه.. من يمثلنا كمغاربة ومن معنا ومن ضدنا!

شارك

الكاتب :

التالي
السابق