حزب الدولة.. البدايات والمآلات؟


عادل بنحمزة

ما يشهده حزب الأصالة والمعاصرة، وبغض النظر عن الأسلوب واللغة المستعملة بين مختلف الأطراف، يُعتبر لحظة تحول في مسار الحزب، دون أن يكون لهذا التحول بالضرورة أي مضمون إيجابي، إذ إن الأيام والشهور المقبلة هي الكفيلة وحدها بكشف المسارات التي يمكن أن تتخذها المواجهة الحالية، وهي مواجهة تتسم بخصائص منها:

أولا: لا نشهد اليوم تقاطبا بين الأعيان والأطر القادمة من اليسار، بل نحن أمام تشوه في التحالفات الداخلية، إذ في كل جهة نجد طرفا من الأعيان وطرفا من القادمين من اليسار، وهو ما يرفع أي إمكانية للحديث عن خلفية إيديولوجية تؤطر المواجهة الحالية.

ثانيا: غياب نزعة مواجهة “ترييف” الحزب، إذ إن المواجهة الحالية تشهد انقساما في كتلة الريف داخل الحزب، ففي كلا الجانبين نجد منتمين إلى الريف.

ثالثا: الصراع يبدو محض تنظيمي وفق شعار يحمله كل طرف، وهو “كل شيء أو لا شيء”، إذ لا نجد تقديرات سياسية مختلف بشأنها سواء فيما يتعلق بمواقف الحزب من القضايا العامة، أو في تموقعه السياسي اتجاه الحكومة، وهو ما يجعل الصراع الحالي لا يحظى بمتابعة كبيرة لدى الرأي العام.

رابعا: لا يمكن لحزب الأصالة والمعاصرة أن ينفصل عن لحظة التأسيس أو خطيئة التأسيس بتعبير كثيرين ممن تابعوا مسار الحزب، والتي تجعله حزبا مرتبطا بالدولة والدور الذي أسس من أجله، البعض يعتبر أن الحزب فشل في تحقيق هذا الدور، لكن الحقيقة هي أن الدولة وليس الحزب، من فشل، فمثل هذه الأحزاب ووفقا للتجربة السياسية المغربية وتجربة تأسيس “الحزب الأغلبي” لا تؤسس لتكون بديلا عن الدولة، فطبيعة النظام السياسي لا تحتمل ذلك، بل فقط للتغطية على ما تقوم به الدولة وأجهزتها، والخدمة هي الواجهة الديمقراطية وإفراغ التعددية الحزبية والسياسية من معناها، لذلك فالمواجهة الداخلية الحالية أمام صمت الذين يتحملون فكرة تأسيس الحزب، ليست سوى مشهدٍ يمثل “قُدَّاساً” للتطهر الجماعي من خطيئة التأسيس وترك الحزب يواجه مصيره ويختبر مناعته الذاتية إذا كان يتوفر عليها، خاصة وأن اللحظة الحالية ليست لحظة استحقاقات انتخابية، علما أن هناك استثمارا انطلق في حزب التجمع الوطني للأحرار منذ “البلوكاج” الشهير، لهذا لا يمكن تصور دخول مشروعين للدولة بالحجم عينه في مواجهة انتخابية ،الهدف منها هو وضع حد للنجاح الانتخابي لحزب العدالة والتنمية، هذه الوضعية تضعنا أمام احتمالين: الاحتمال الأول هو أن تكون الجهة التي أشرفت على تأسيس حزب الأصالة والمعاصرة قد أجرت نقدا ذاتيا، ووقوفها على الحياد فيما يجري اليوم داخل الحزب، معناه أنها تتخلص من وزر البدايات وأن بصمتها تشجع على تفكيك الحزب ليصير حزبا عاديا كباقي الأحزاب التي أحدثتها الدولة في سياقات مختلفة، ثم أحيلت على الهامش. الاحتمال الثاني يقوم على فرضية أن مشروع حزب الأصالة والمعاصرة لازال قائما، لكن المرحلة تحتاج إلى واجهة جديدة أو مجددة، بحيث يصبح من الضروري أن يتوارى حزب الأصالة والمعاصرة إلى الوراء لتجريب الوصفة الجديدة/القديمة، وعلى هذا المستوى يمكن القول بأن الحزب يمكن أن يُحتفظ به في الحد الأدنى لمرحلة أخرى في نوع من تبادل الأدوار بين الأحزاب الإدارية.

هذه الاحتمالات، وبغض النظر عن أي منها، هي الأرجح، فهي تؤكد حجم إهدار الزمن السياسي الذي عرفته بلادنا منذ 2009، وما رافق ذلك من ممارسات عادت بها عقودا إلى الوراء، وما أضاعته من فرص سواء في استثمار زخم ما سُمي بالانتقال الديمقراطي أو مسار الإنصاف والمصالحة، الخسارة ليست خسارة حزب، بل خسارة وطن…

شارك

الكاتب :

التالي
السابق