إصلاح الأحزاب أو المجهول

بلال التليدي
ثمة موجة استسهال مثيرة للدهشة لما بلغته الأحزاب السياسية من مآل، مع أن نواقيس خطر دقت مرات شعبيا ومؤسسيا، تنتقد حال الأحزاب، وتشكو انهيار منظومة الوساطة، وتعريض الملك للاحتكاك المباشر مع الجمهور.


لا نريد استعادة حالة حراك الريف، ولا نريد أن نجعله المؤشر الوحيد لخلفياته السياسية المعقدة، لكن، ثمة خطابا ملكيا عقب حراك الريف وجرادة، بلغت قسوته على الأحزاب مستوى غير مسبوق، وتمتلك الدولة بأجهزتها أدوات استشعار قوية تفيد بارتفاع وتيرة المخاطبة المباشرة للملك، والتي لا خلاف اليوم بأنها تشكل علامة غير صحية للسياسة.

الذي يزعج أكثر، أنه مع هذه الحالة الخطيرة وغير المسبوقة، يتصدر السياسة عنوان تعديل الفصل 47من الدستور، أو تغيير نمط اقتراع، كما ولو أن مكونات السياسة في البلد تعيش حالة طبيعية، تستدعي فقط، طرح سؤال العطب الممكن حصوله في المستقبل، والذي يتطلب معالجة دستورية أو قانونية قبلية. واضح جدا أن هذه الديناميات تستهدف حزبا بعينه، وتروم وضع آليات دستورية وقانونية، تجعل إمكانية تصدره للمشهد السياسي مستحيلا، أو تجعل قيادته للحكومة متعذرة. فالنخب بهذا التوصيف منشغلة بحزب لم تستطع منافسته، وغير منشغلة البتة بسؤال الانقسامية الخطيرة التي يتعرض له الحقل الحزبي، وحالة الهشاشة التي تعرفها.

الأصالة والمعاصرة، فقد قدرته على إصلاح نفسه، منذ خسر في الانتخابات وخسر معها قيادته السياسية، والأحرار، رغم الأمصال التي تقدم له، فإنه يفقد الحد الأدنى من الأرصدة التي كانت للأصالة والمعاصرة لما تقرر يوما أن يكون أداة التوازن السياسي، في حين بدل أن يعول حزب الاستقلال على مناضليه، فإنه يستعين بالآلية التي أفقدته هويته وقاعدته النضالية، فيحاول أن يتهرب من مناقشة مآله باستدعاء اجتماع ضخم في الصحراء يعرف الجميع أنه ليس من فعالياته. أما العدالة والتنمية، فيعيش أزمته بصمت، وتتصور قيادته، أن الحوار الداخلي الذي لايزال مستمرا في الزمن، قد حل المشكلات، وأن التدبير قد حل محل السياسة، وأن الإنجاز ممكن حتى خارج شروط السياسة.

التقدم والاشتراكية يعيش هو الآخر حيرته السياسية، بعد الضربات التي وُجهت له، وبعدما فقد السبيل لتجسير التحالف على الشاكلة السابقة: رجل في الحكومة، وتهديد بقرب مفارقتها، كما ولو كان يستشعر عقوبة انتخابية للحكومة يحاول منع وصول أثرها إليه.

الأحزاب للأسف منشغلة بالأمور الصغيرة، بربح الانتخابات المقبلة، أو منع هذا الحزب من التصدر، أو العمل على جعل تصدره غير مفض إلى رئاسة الحكومة، والمؤشرات المرتبطة بالحراك الاجتماعي، تفيد بتراجع الثقة في الأحزاب، فما يحرك النضال المطلبي لا علاقة له بالنقابات، وإنما بالتنسيقيات، والحراك الشعبي الذي يتحرك هنا وهناك على خلفية اجتماعية، يجعل أول شعاراته توجيه اللعنة إلى الأحزاب.

بعض قليلي الخبرة في السياسة، يعيشون على الاستثمار المرحلي الضيق، يرون في بعض التوترات الاجتماعية أداة لإضعاف حزب أو التبخيس من أدائه الإصلاحي، لكن لا يدركون أن مناوراتهم السياسة في المحصلة تنتهي بتقرير واقع ترهل الأحزاب، وإفقادها القدرة على تأطير الجمهور والتأثير فيه، لأن نظرهم القصير، لا يرى في سياق التحولات الإقليمية والدولية والمحلية، سوى موضوع الانتخابات التي لا ينبغي أن تغير موازين القوى لفائدة القوى الإصلاحية.

إنها للأسف لم تنتبه لدروس حراك الريف وجرادة، ولم تدرك المقاصد التي جعلت ملك البلاد يركز في خطابين صيف السنة الماضية على القضية الاجتماعية، بل لم تنتبه في خطابه السابق، للنقد القاسي للنخب السياسية، ومن مخاطر وضعه في الاحتكاك المباشر مع الجمهور.

القدرة على التحكم في النخب السياسية سهل، بالإمكان الدستوري أو حتى القانوني، لكن الانتخابات ليست هي مشكلة المغرب، وإنما هي القدرة على تأمين استقرار سياسي واجتماعي في سياق دولي وإقليمي متحول ومنذر بمخاطر كبيرة محتملة.

لنفترض أن حربا اندلعت بين أمريكا وإيران، ولنفترض، أن النفط السعودي استُهدِف بكثافة، إلى أي مدى يمكن أن تبلغه أسعار النفط؟ وما الآثار المحتملة؟ وما الكلفة الاجتماعية؟ وهل تعديل الفصل 47 أو تغيير نمط الاقتراع، سيحد من هذه المخاطر، أم إن الحل في إصلاح السياسة وإصلاح الأحزاب، ورفع يد السلطة عنها، وتمكينها من صنع أو إعادة تجديد شرعيتها الاجتماعية، لتقوم بوظيفتها في تقوية منظومة الوساطة، وتحصين الاستقرار الاجتماعي والسياسي؟

شارك

الكاتب :

التالي
السابق