بين ازدهار الفرد وامتداد التنظيم

بين ازدهار الفرد وامتداد التنظيم
أيوب بوغضن 
تجمع "التنظيمات" نخبة من أبناء المجتمع، قد لا تحتل الصدارة في الميادين العلمية المرموقة، ولكنها تتميز عن القاعدة الواسعة من أبناء المجتمع المتقاعسة عن كل حركة اجتماعية أو فكرية. في السطور أدناه، لا يهمنا لون التنظيم بقدر ما تهمنا الخصائص المشتركة لدى كل التنظيمات. 

تفرض "التنظيمات" إيقاعا "موضوعيا" خاصا على عناصرها. في غالب الأحيان، تسير سَيْر "أوسط" أعضائها (من حيث القدرات الذهنية والتقنية). ولهذا قد تجد "تنظيما" يشمل صفوة الصفوة من المثقفين (على سبيل المثال، اتحاد كتاب المغرب)، ولكن في مقرراته وفي ميثاقه الجماعي لا يمكن أن يعبر على أفكار مثقف واحد "استثنائي" (قادر على مستوى عال من التجريد والتنظير)، بل لا بد أن يجد كل عضو ذاته في الانتماء إلى هذا "التنظيم الثقافي". 

ولهذا، نلفي النبهاء الكبار الذين يتميزون بلياقة ذهنية حادة جدا، لا يجدون لأنفسهم صدى كبيرا داخل أي "تنظيم". فتراهُم يحسون ب"غربة" ملموسة بشكل أو بآخر، مردُها إلى أن المُخاطَبين من داخل البنية التنظيمية يضيق أفقهم عن استيعاب مرامي خطابهم وآفاق أفكارهم. 

هكذا، يجدون أنفسهم أمام خيار صعب، وهو إطلاق العنان للتفكير ولكن في "إطار" وفي "أفق" وفي "نسق" التنظيم. إذا حدث وأن دفعتهم الشروط التي يتحركون فيها لقبول سقف "النسق" كأفق للتفكير والتجديد والتنظير، فالنتيجة معروفة: سيكون ذلك مدعاة للراحة النفسية من زاوية معينة، إذ سيكونون أمام جمهور (أعضاء التنظيم) يستَحْلون كلامهم ويطالبونهم بالمزيد (المزيد من التنظيرات التي تسمح بتثبيت النسق وبث الأمل في الأفق). 

غير أن ازدهار الفرد النابه من زاوية أخرى، كفرد يتحدد وجوده الحقيقي ضمن معادلة مجتمع مفتوح وليس ضمن معادلة تنظيم محصور، لن يتأتى داخل "إطار" التنظيم. فمن أجل التألق الذهني والوجداني يحتاج إلى "الانطلاق" و"التحليق" بعيدا. ولهذا، فوجود هؤلاء الأفراد الذين يفقسون "بيضة" البنية الفكرية والمذهبية للتنظيم داخله، مدعاة إلى تفجير تناقضات حادة. 

إن وجودهم داخل التنظيم واختلاطهم بالأعضاء وتأطيرهم للنقاش في السر والعلن مدعاة لإشاعة رؤى متباينة ووجهات نظر متمايزة وأحيانا مرجعيات متناقضة. إن التنظيم، قبل كل شيء، هو فعل وحركة وعمل على الأرض (نشاط، تظاهرة، مظاهرة،... إلخ). ولهذا، فمنطق التنظيم يتضايق من منطق الفرد الذي يقول لنظرائه "تريثوا.. لا تتحركوا، حتى ندقق الوجهة والمسير على المستوى النظري أولا". 

إن التنظيم لا يحتمل، بطبيعته، أفرادا يتجاوزون أفقَه ويستخفون بشعاراته ويستهينون ببرنامجه. إن وجود هؤلاء الأفراد في "الهوامش" مدعاة لتمزيق "المركز"، فالسرعة التي يسيرون بها لا طاقة للتنظيم بها، ولهذا فهي قاتلة. 

وجبت الإشارة إلى أن النبهاء (المقصودين في السطور أعلاه) هم قلة قليلة جدا بالنظر إلى الشريحة الواسعة من أفراد المجتمع التي بالكاد يقترب تعاطيها الذهني مع الشأن العام والوجدان الخاص مع المستوى "الأوسط" للتنظيمات. فمستوى أفراد المجتمع – في عمومه، مع استحضار كل الطبقات خاصة الدنيا – دون المستوى الذهني الذي تروج له التنظيمات. 

لم تحتمل جماعة الإخوان المسلمين في مصر منذ أواسط خمسينيات القرن الماضي فقيها نبيها مثل الشيخ محمد الغزالي، ولهذا غادرها وانطلق خارجها وقام بالتأثير الإيجابي على أعضائها. ولم تحتمل حركة النهضة في تونس منذ نهاية السبعينيات قامة علمية ساطعة من طينة الأستاذ حميدة النيفر، ولهذا غادرها رغم أنه كان من أبرز مؤسسيها. ولم تحتمل حركة التوحيد والإصلاح في المغرب منذ مطلع الألفية الثالثة الآفاق البعيدة لرجل من أنجب أبنائها، هو الأستاذ إبراهيم أمهال، ففصلته رغم أنه من أشد المخلصين لروحها ورسالتها القيمية المفارقة. ولم تحتمل مؤسسة علمية وبحثية من طينة "المعهد العالمي للفكر الإسلامي" أسئلة عقل نادر المثيل، هو أبو القاسم الحاج حمد، ولهذا لم تستنكف من محاكمته "المعنوية" وإدارة الظهر لاتجاهه الفكري العميق. 

إن التناقض القائم بين رغبات "الفرد" ورغبات "التنظيم" هو تناقض موضوعي مفهوم. إن التنظيم، بطبيعته، جسم حركي ديناميكي لا يحتمل التأني والتمهل قبل المبادرة إلى الفعل. بينما الفرد، بطبيعته، يرغب في تمحيص الحقائق وتدقيق الاختيارات وتصحيح عقد الازدياد وإعادة النظر في الأوراق على ضوء الآفاق المعرفية الجديدة، ولهذا فهو يعطل مبرر وجود التنظيم أي "الحركة" على الأقل أو يمزقه في حال ما صارت أفكاره قوة مادية في شخص مجموعة متماسكة من داخل جسم التنظيم. 

الواقع الموضوعي بدوره يتطلب "تنظيمات" قوية ومتماسكة وفاعلة وغير مترهلة وغير مترددة في فعلها وحركتها، ولكن في نفس يتطلب أن تسير هذه "التنظيمات" على هدي المعرفة العلمية وأن تخوض المعاركة الحقيقية وأن تعيَ التناقض الرئيس من التناقض الثانوي وأن تميز الخطوة "التكتيكية" من الخطوة "الاستراتيجية"... إلخ، وهي مسائل بحثية وعلمية لا يمكن أن ينهض بأعبائها إلا الأفراد الذين يتمتعون بلياقة ذهنية غير مألوفة. 

هي معادلة موضوعية صعبة ومعقدة، يبدأ حلها من إشاعة المناخ العلمي في صفوف المجتمع الذي يعيد إنتاج أمراض "التنظيمات"، حتى تتسع القاعدة العريضة للأفراد: المتفهمين لمسألة تحرير "النظر" قبل الانطلاق في "العمل"، والمعانقين لنتائج البحث العلمي في كل القضايا الاجتماعية المطروحة، والمخلصين للقيم المتجاوزة المفارقة للذوات والأنانيات الضيقة. طبعا اتساع هذه القاعدة، سينعكس على مستوى القيادة سواء المحلية أو المركزية، وبالتالي سيخفف من حدة التناقض الموضوعي القائم بين رغبات "الفرد" في الازدهار ورغبات "التنظيم" في الامتداد. 

في النهاية، التنظيمات هي التجسيد المادي للأفكار (أفكار الأفراد النبهاء). ف"الأفكار" لا قيمة لها في حد ذاتها إن لم تتحرك في نفوس الأفراد وسلوك المجتمعات، وصلة الوصل الكفيلة بإنجاز ذلك حتما هي "التنظيمات". كما أن "التنظيمات" لا معنى إن كانت مجرد تجمع بشري يلتئم حول قضايا زائفة ويوفر ملاجئ اجتماعية ويهيئ مسكنات نفسية ويخدم حق الارتقاء الاجتماعي المشروع لبعض أعضائه.

الزاك: سقوط نيزك بمنطقة الحمادة

الزاك: سقوط نيزك بمنطقة الحمادة



عرفت مدينة الزاك نواحي مدينة كليميم جنوب المملكة المغربية ، سقوط حجر سماوي “نيزك” يوم الخميس الماضي 27 يونيو ، الشيئ الذي ادى الى تهافت المنقبين و هواة البحث عن الاحجار الكريمة.

وكان مواطنون من المناطق المجاورة اكدوا خبر سقوط النيزك ،حيث اكدوا أنهم لاحظوا كرة نارية في السماء بلون أزرق، ثم تحولت للون أحمر، وبعضهم قال برتقالي، مع تصاعد دخان أبيض.


إلى متى سنلجأ الى مخيم الزعتري... ؟!

إلى متى سنلجأ الى مخيم الزعتري... ؟!

محمد الكبش

على بعد أيام من الآن ستتوجه قوافل المصطافين الذين تم انتقاؤهم في اتجاه مخيم الزعتري للاجئين الفارين من حرارة الصيف. لكن واقعيا هذه المبادرة ان كانت لها أهداف انسانية محضة و رغم كل محاسنها الا انها ستكون لها تبعات على حساب مجالات أخرى مهمة بالإقليم. فكما أشار احد اعضاء المجلس الإقليمي في دورة من دورات المجلس السابقة ان عدد المستفيدين سيتجاوز 200 مستفيد و الأكيد ان هذا العدد يعكس في الواقع ازيد من 800 مستفيد لو افترضنا ان اسرة كل مستفيد من المئتين مستفيد تتكون من 4 افراد لكل أسرة. و اذا ما أضفنا هذا العدد لعدد العائلات التي تغادر الإقليم دون الحاجة للجوء لمخيم الزعتري فقد يتجاوز العدد 1500 فرد بالإضافة إلى الموظفين المستفيدين من العطلة الصيفية و غيرهم....

ان هذه الهجرة الجماعية سيكون لها انعكاس على الحركة الاقتصادية بالإقليم مما يدفع بالعديد من المحلات التجارية الى غلق أبوابها مدة لا تقل عن ثلاثة أشهر أضف الى ذلك حاملي مشاريع التشغيل الذاتي يضطرون أيضا الى التوقف عن العمل طيلة تلك المدة و هذا مشكل حقيقي يتناقض مع فلسفة التشغيل الذاتي المعتمدة بالإقليم. 
ان واقع حالنا اليوم و نحن نعيش موسم الهجرة كل سنة ليس هروبا من حرارة الجو بل لانعدام مقومات الاستقرار بالإقليم و غياب شروط الاستقرار فكيف بنا ان نقنع طبيبا او ممرضا بالاستقرار و نحن اول من يرحل؟! ان مشكلة الإقليم الحقيقة هي مشكلة مرتبطة بالتنمية و مقوماتها من بنى تحتية و مساحات خضراء و كهرباء و ماء و تشغيل و غير ذلك.... فغياب هذه المقومات أشد بكثير من حرارة شمس الصيف.... 
عموما نحن لسنا ضد الفكرة من حيث المبدأ لكن سيكون لها تأثير سلبي على أمور أخرى اهم بكثير من رمال الشاطئ الأبيض.

كليميم وادنون:النائبة البرلمانية منينة مودن تسائل الداخلية عن وضعية مجلس الجهة

كليميم وادنون:النائبة البرلمانية منينة مودن تسائل الداخلية عن وضعية مجلس الجهة

قدمت النائبة البرلمانية أمنينة المودن عن حزب العدالة والتنمية سؤالا لوزير الداخلية عن الوضع القانوني لمجلس جهة كلميم واد نون الذي انتهت مدة توقيفه الثاتي.
وتساءلت النائبة عن الإحراءات التي ستتخذها الوزارة لاحترام الدستور ومقتضيات القانون التنظيمي المنظم للجهات.

الزاك:حملة نظافة واسعة للقضاء على النقط السوداء بالمدينة

الزاك:حملة نظافة واسعة للقضاء على النقط السوداء بالمدينة

نظمت هذا الصباح جمعية فاعل خير الزاك حملة نظافة واسعة شملت النقط السوداء بالمدينة وبعدها حملة للأحياء المدينة وتوعية للساكنة بعدم رمي الأزبال والمشاركة في جعل مدينة الزاك مدينة بلا نفايات حيث اختارت لها شعار من أجل مدينة تبتسم 



لننتبه… من معنا ومن ضدنا!

لننتبه… من معنا ومن ضدنا!

حسن حمورو

الاستغراق في تتبع تفاصيل الأحداث الجارية، يحجب الحقيقة كاملة، ويمنع الفاعلين ذوي المصداقية والغيرة الوطنية، من تجميع عناصر الفهم والاستيعاب الضروريين في التقييم والتقويم، وفي اختيار المواقف المناسبة، وفي بناء خطاب سياسي مقنع لتأطير المجتمع، تأطيرا يسهم في تعزيز الوحدة والاستقرار. 
وإذا كان اصطناع الأحداث والأزمات بشكل متوالٍ، وتعميم الغموض وتكثيف الدخان الحاجب للرؤية، استراتيجية معمولا بها من طرف مراكز النفوذ، الساعية إلى خنق مؤسسات الدولة ذات الاختصاص الدستوري في إصدار القرار السياسي الوطني، وتجريدها من عناصر قوتها ومصداقيتها، فإن نخب المجتمع الحاملة للهم الوطني، والأحزاب السياسية تحديدا، مطالَبة بالوعي بما يُحاك في العمق، وبما يتم تمريره على شكل قرارات وقوانين في غفلة من الجميع، والوعي بما تخفيه كثرة الأحداث وطريقة معالجتها إعلاميا، وامتداداتها وتأثيرها على وحدة مكونات المجتمع، الضامنة للاستقرار.
إن ما يعيشه المغرب من احتجاجات في قطاعات مختلفة، بقدر ما تعكس اختلالات غير خافية، وترفع مطالب في عمومها مشروعة، بقدر ما تصاحبها مؤشرات تؤثر على مستوى براءتها، وتشير الى أنها مضخمة في اتجاه معين، يُؤمّن الانتقال السلس من استراتيجية تدبيرية إلى أخرى، أهم عناوينها انسحاب القطاع العام، ودخول القطاع الخاص مكانه، وما يطرحه ذلك من إشكالات يدفع المواطن البسيط ثمنها، والقصد هنا ما يجري منذ مدة في قطاع الصحة أساسا، بعد أن جرت العملية نفسها في قطاعات أخرى كالتعليم ومجالات اقتصادية أخرى. 
في هذه المساحة ينبغي للأحزاب السياسية أن تجدد مداخل الفهم، وأساليب العمل، لتعبر بالملموس عن ولائها الكامل للوطن، وتجتهد في المساهمة في خلق بيئة مساعدة على النقاش العمومي حول ما الذي يجري في البلاد، وما الثابت فيه وما المتحول، وما أسباب التحول، وأفقه، والمستهدف به، ثم لإيجاد حلول تخفف حدة ما هو مفروض تصعب مواجهته، وفي الوقت عينه تحصن الخصوصية الوطنية، خاصة على مستوى القيم والمبادئ والثقافة الجامعة، وتضمن للبسطاء شيئا من حقهم على الدولة. 
المغرب إذن، في حاجة ملحة إلى أحزاب قادرة على التفاعل مع المستجدات والتحديات، بعيون المستقبل، لكن بدون نظارات موروثة عن الماضي، تفاعل تحافظ فيه على هويتها وتقوم بأدوارها، وتعيد ترسيم العلاقات فيما بينها وتأجيل الاختلاف ما أمكن ذلك، والحذر من أن يتجاوز السقف الذي يتحول معه من اختلاف خادم للتنوع والتعددية، الى عنصر إضعاف للدولة، أو عنصر الهاء للمواطنين، وتضليلهم، أو تسليمهم لقمة سائغة لمن لا يرون فيهم إلا أرقاما تنشط السوق وتحقق الأرباح. 
وتأجيل الاختلاف لا يعني توقيع شيك على بياض، لأي جهة أو التطبيع مع الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أو فقدان الاستقلالية أو التراجع عن المرجعيات الحزبية الخاصة، وإنما لتقليل مظاهر التوتر داخل المجتمع، وإشاعة الثقة والطمأنينة، وضمان الانخراط الجماعي في المعارك الوطنية، التي من شأنها إسناد المؤسسات السيادية المطالَبة هي الأخرى، بإشراك الجميع في ما تعتزم القيام به، دفاعا عن سيادة البلاد وحفظ استقلاليتها عن القوى المتصارعة دوليا، التي لا تُخفي طمعها في إلحاق المغرب بالقطيع التابع لها. 
باختصار شديد، هذه دعوة إلى تغليب المصلحة الحقيقية للوطن والمواطنين، ووصفة يمكن أن تساعد على التعرف على الأحزاب الوطنية الجادة، وفرزها عن التجمعات المصالحية والجماعات الوظيفية، التي تقدم نفسها أحزابا سياسية، حاملة لشعارات براقة، لكن تفاصيل خطابها والمطالب السياسية التي تطرحها، يخلق التباسا في ولائها.. لننتبه.. من يمثلنا كمغاربة ومن معنا ومن ضدنا!

شمّاعة الجماعة!

شمّاعة الجماعة!

عادل بحمزة

قبل ثمانية سنوات، وعقب وصول حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة، كان مجلس إرشاد جماعة العدل والإحسان، وجه رسالة إلى قيادتي حزب المصباح وحركة التوحيد والإصلاح، اختلط فيها العِتاب بالنصح، لكنها كانت واضحة بما فيه الكفاية بكون الجماعتين على طرفي نقيض، ليس على مستوى المرجعية الدينية والعقدية، ولكن على مستوى الرؤية السياسية ولمسار الإصلاح السياسي في بلادنا.

فقد اعتبرت الجماعة أن: «الحديث عن المؤسسات وتعددها واختصاصاتها في ظل الحكم الفردي ومشروعه السلطوي الاستبدادي ضرب من الخيال»، وأن «العمل من داخلها -أي المؤسسات- وفق شروطه وابتزازه- أي الحكم الفردي-، مخاطرة سياسية، بل هو انتحار حقيقي، وهذا ما يدفعنا إلى الخوف الشديد عليكم وعلى مستقبل رجال ونساء من خيرة أبناء هذا الوطن، ولا نزكّي على الله أحدا، بذلوا ويبذلون، وما أظننا نخطئ إذا قلنا إنهم سيبذلون جهودا كبيرة، ولكن مع الأسف في الاتجاه الخطأ، وفي الزمان الخطأ»، فهل تحققت نبوءة (…) الجماعة في إخوانهم من العدالة والتنمية؟ وهل يعتبر الاتهام العلني للجماعة بكونها المحرض الرئيس لطالبات وطلبة كليات الطب، وهو اتهام غير مسبوق يصدر عن الحكومة التي يقودها الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، علامة من علامات السير في الاتجاه الخطأ وفي الزمان الخطأ؟ بلاغ حكومة السيد العثماني، بقدر ما جاء مستفزا ومثيرا للغثيان في تقدير خصوم العدل والإحسان قبل أنصارها، فإنه أثار كثيرا من الشفقة الممزوجة بالحسرة على ما آلت إليه السياسة في هذا البلد، وهي قد بلغت دركا لا قبل لها به، ولا يمكن أن يكون ذلك بلا عواقب وخيمة تزيد الأمور تعقيدا.

البعض يعتقد أن استمرار المواجهة بين الجماعة والدولة يُضعف هذه الأخيرة، وأن الدولة يجب أن تبقى، ولو ظاهريا، فوق هذه التقاطبات، لذلك، كان من الضروري وضع الجماعة في مواجهة مع أطراف سياسية تلعب دور القفازات، وذلك حتى يصبح استهداف الجماعة يحظى بنوع من المقبولية، فهو في النهاية نوع من التدافع بين مشاريع سياسية – وهذه كذبة كبيرة بالطبع لأن مصيبة البلد أنه لا توجد فيه مشاريع سياسية – عكس تكلفة المواجهة المباشرة التي تضطر الدولة أن تخوضها مع الجماعة في أكثر من مناسبة، لكن يبقى السؤال، هل يمكن أن تصور أخنوش وساجد والعنصر مثلا، قادرون على مواجهة العدل والإحسان؟ ألا يتحول الأمر على هذا النحو، إلى مجرد مشهد هزلي وساخر، لا يُقوض الجماعة ولا يحد من امتدادها، بل يمنحها كل أسباب النجاح…، فما لا تريد أن تقبله أطراف في الدولة، هو أن ما يمنح الجماعة قوة الحضور على أكثر من واجهة، هو أن قتل السياسة ومسخ الأحزاب وتدجين النخب، ونقل «التايلورية» من مصانع السيارات الأمريكية في نهاية الخمسينيات، إلى صناعة المواقف والقرارات السياسية وبلاغات الأغلبية في مغرب 2019، هذا النهج هو ما يُعطي لجماعة العدل والإحسان ميزة عن باقي التيارات السياسية، إن وجدت، وإذا كان جزء من طلبة العدل والإحسان يساهمون في الحركة الاحتجاجية اللافتة لطلاب وطالبات كليات الطب، فهذا أمر عادي وتحصيل حاصل، لأن الجماعة هي الوحيدة اليوم التي تحمل رؤية وخطابا، مهما اختلفت معه، فإنه يظل قويا ومنسجما، وأعضاء الجماعة هم الوحيدون اليوم، الذين يؤطرون النخب الصاعدة في مختلف المجالات والميادين، بينما باقي التيارات السياسية دُجّنت بالكامل وافتقدت المصداقية اللازمة لخوض عملية الاستقطاب والتأطير، غير أنه مع ذلك لا يمكن الاستخفاف بعقول ملايين من المغاربة، والالتفاف على الملف المطلبي الجدي لطلاب وطالبات كليات الطب، في نوع من رمي الطفل مع ماء الغسيل، كما فعلت الحكومة بتحميل مسؤولية الاحتجاجات ومقاطعة الامتحانات للجماعة، دون أن تخوض في جوهر الموضوع، فليس المهم أن تكون الحكومة قطة سوداء أم بيضاء، بل المهم أن تأكل فئران المشاكل، وهو ما لا تفعله قطتنا مع الأسف…، فطالبات وطلاب كليات الطب، لا يدَّعون «القومة» ولا الخلافة على مِنهاج النبوة في ملفهم المطلبي، ولا أن الله أمر بالعدل والإحسان، بل يُسائِلون سياسة الدولة في تفكيك القطاع العام، وفي تحويل التعليم إلى تجارة، وفي تكريس طبقية التحصيل العلمي، وفي انتهازية وجبن الرأسمال الذي يبقى مشدودا إلى الربح السريع دون خوض واجب دعم البنيات التحتية، التي كان ضعفها وعجزها، مبررا لفتح أبواب الاستثمار له على طبق من ذهب، فكيف لحكومة تحترم نفسها أن تغامر بمصير 18 ألف طالب وطالبة من خيرة ما أنجبت بلادنا، فقط من أجل إرضاء حفنة من المستثمرين الجشعين.. أي جرأة هذه؟ أم إنها مجرد جبن يتلبس بالجرأة؟



ليس مهما أن نتفق أو نختلف مع مشروع جماعة العدل والإحسان، وإن كنت لا أرى في مشروع الجماعة ما يشكل إغراءً على طريق بناء دولة حداثية، لكن الحكم على هذا المشروع ومشاريع أخرى ممكنة، لا يتم سوى في بِيئة ديمقراطية. أما تحويل الجماعة، هكذا وباستسهال كبير، إلى مِشجب لكل المشاكل الاجتماعية، من حراك الريف، مرورا بحراك جرادة وملف الأساتذة «المتعاقدين»، وصولا إلى الملف المطلبي لطلبة كليات الطب، فإنه يمكن القول جهرا وهمسا، إن ذلك المِشجب لا يُجدي نفعا أمام ثقل تلك المشاكل… فالمشاكل بحاجة إلى حلول وشجاعة ووضوح، وليس إلى حركات بهلوانية تثير الحسرة…

سنة سوداء لبذلة بيضاء

سنة سوداء لبذلة بيضاء

يونس مسكين
أخطر ما يمكن أن يبتلى به مجتمع ما هو أن تضيع منه خيوط نقاشاته، كما بات يحصل في المغرب كلما تفجّر موضوع سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي. هناك عتمة حالكة ترخي بظلالها على المشهد كلما برزت قضية تنطوي على نزاع بين جزء من المجتمع والسلطة، كما لو أن القنابل الدخانية باتت خيارا ثابتا في تدبير الأزمات.

نحن اليوم على أبواب نهاية مأساوية لسنة دراسية في واحدة من أكثر مؤسسات التكوين العالي أهمية وحساسية. فالشبان الذين انتقيناهم على مدى سنوات مضت من خيرة أبنائنا الحاصلين على شهادة البكالوريا بميزة، والذين ننتظر منهم السهر على علاج أمراضنا ومداواة جراحنا، ينهون سنتهم مهدَّدين بالرسوب الجماعي، وفي أحسن الأحوال بأعطاب اجتماعية ونفسية سترافقهم مدى حياتهم، وتكوين منقوص إن لم يكن منعدما في عام خلت فيه المدرجات والمستشفيات الجامعية من أطباء المستقبل.

هل ننتصب للدفاع عن هؤلاء الشبان، خاصة بعد السقطة المريعة التي أقدمت عليها الحكومة في بيانها الأخير، حين عمدت إلى أسلوب عفّى عليه الزمن كانت تنهجه بعض الأجهزة البوليسية في زمن الرصاص، بتبريرها الأزمة بـ«تحريض» جماعة العدل والإحسان، كما لو كان الطلبة الأطباء مجموعة معتوهين مسلوبي الإرادة، أو كان قيام تنظيم سياسي أو مدني بمعارضة السلطة جرما لا يغتفر؟ أم نركن إلى ما ارتأته بعض الأصوات من تنظير للاستبداد المستنير، على اعتبار أنه لم يكن بالإمكان أكثر مما كان؟

لنجرّب أسلوب «الخشيبات»، ولنبعد الموضوع، أولا، عن ساحة الشعارات الكبرى والخطب الرنانة. قد تكون لهذه المعركة امتدادات في حقول السياسة والاقتصاد ومراكز النفوذ واللوبيات، لكن جوهر الملف دفاع مستميت من لدن فئة معينة من المجتمع عن مصالحها، وهو أمر مشروع ومحمود، لكن، من الضروري تسجيل ذلك.

هل تطوّر الأمر إلى هبّة مجتمعية تنتصر للطبقة المتوسطة أو الفئات الهشة ضد تكتّل مصلحي متحالف مع دوائر في السلطة؟ لا أعتقد ذلك، وإلا لما رافق هذه المعركة كم هائل من الانتقادات والاتهامات الموجهة إلى جسم مهنة الطب، بدءا من ضعف القيام بالوظائف والخدمات الأساسية في المستشفيات والمستوصفات العمومية، وانتهاء بمجازر بعض المصحات الخاصة.

ينطلق دعاة الانتصار لـ«الاستبداد المستنير» من هذا الحنق المجتمعي على الجسم الطبي، ليطالبوا بدعم السلطة في هذه المعركة. يعزز هؤلاء، ومن بينهم أكاديميون، موقفهم هذا بمعركة الخدمة في المجالات القروية والجبلية التي خاضها الأطباء قبل ثلاث سنوات إلى أن أسقطوا المشروع، وبإحجام الأطباء عن المشاركة في مباريات التوظيف في المناطق النائية، فضلا عما ترتكبه بعض المصحات الخاصة من جرائم في حق صحة وجيوب المواطنين المرضى وعائلاتهم.

قبل نحو شهرين من الآن، صدر بلاغ مشترك بين وزارتي الصحة والتعليم العالي، يعلن استجابة الحكومة لجميع مطالب الطلبة الأطباء، وهو ما أعقبه التصويت، الديمقراطي بلا شك، والذي رفض خلاله الطلبة، وبأكثر من 90 في المائة، العرض الحكومي. السبب؟ تتحدث وثائق وتصريحات أطباء الغد عن سببين رئيسين؛ أولهما الإصرار على بقاء طلبة الجامعات الخاصة خارج المستشفيات الجامعية العمومية، وثانيهما رفض الطلبة إضافة سنة سادسة إلى مسار تكوين أطباء الأسنان.

هنا يرتفع صوت خطاب آخر يلمّح إلى وجود يد «لوبيات» ضاغطة وذات نفوذ خاص، تجبر الحكومة على حماية ظهر الجامعات الخاصة، دون أدنى شرح للمقصود بهذه الأحكام وترديد خطابات كبيرة.

فحسب آخر بلاغ أصدرته وزارة الصحة لإعلان تواريخ اجتياز مباريات ولوج كليات الطب، العمومية والخاصة، فإن الحديث في الشق الخاص يهم أربع جامعات تضم كليات للطب والصيدلة. أولى تلك الجامعات هي الجامعة الدولية للرباط، والتي تضم كلية خاصة بطب الأسنان. هذه الجامعة يرأسها الأكاديمي نور الدين مؤدب. ثانية هذه «الجامعات الخاصة» هي جامعة محمد السادس لعلوم الصحة بالدار البيضاء، والتي يتولى رئاستها خبير جراحة الأطفال محمد الأندلسي. وثالثة هذه «الجامعات الخاصة» هي الجامعة الخاصة لمراكش، ويقودها رجل اسمه محمد القباج. أما «الجامعة الخاصة» الرابعة التي تكوّن في المجال الطبي بالمغرب، فهي جامعة الزهراوي الدولية لعلوم الصحة بالرباط، ويرأسها محمد منير الماجدي، مدير الكتابة الخاصة للملك.

هل نحن، إذن، أمام نزعة شبابية متنطعة لطلبة مسنودين بشكل خفي من لدن أساتذتهم وقدمائهم في المجال الطبي، بغاية حماية مصالح ظلوا يحتكرونها ويبتزون الدولة والمجتمع من خلالها، أم هي معركة حاسمة لبسط هيمنة رأسمال خاص يزحف على صحة المغاربة ليحولها إلى أرقام في الحسابات البنكية؟

لا جواب حاسم ما لم تُسحب القنابل الدخانية من المشهد، والأمر الوحيد الذي جرى حسمه، هو دوس الطرفين معا على الحكومة في ساحة مواجهتهما، وتجريدها مما تبقى لديها من «كرامة»، حين لم تجد سوى شماعة «الجماعة» لتعلّق عليها عجزها عن حماية قرارها من تعنّت هذا الطرف وتعسّف الآخر.



أما إذا صحت الأنباء التي تحدثت عن مطاردة آباء قادة تنسيقية الطلبة الأطباء بعد أساتذتهم، وتوقيف بعضهم عن العمل، وإغلاق صيدليات البعض الآخر، فإن مشكلتنا ستكون أكبر من مجرّد إضراب قطاعي، لتعدو مصيبة سياسية وحقوقية. فالتنقيب عن الانتماءات الفكرية والامتدادات الأسرية لشبان مضربين، لا يمكن أن يكون سلوك دولة تدعي لنفسها صفة الحق والقانون.. ابحثوا حينها عن وصفها المناسب في قاموس آخر.